فصل: الجزء السابع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير السعدي المسمى بـ «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان» **


 الجزء السابع

‏[‏82 ـ 86‏]‏ ‏{‏لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ‏}

يقول تعالى في بيان أقرب الطائفتين إلى المسلمين، وإلى ولايتهم ومحبتهم، وأبعدهم من ذلك‏:‏ ‏{‏لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا‏}‏ فهؤلاء الطائفتان على الإطلاق أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعيا في إيصال الضرر إليهم، وذلك لشدة بغضهم لهم، بغيا وحسدا وعنادا وكفرا‏.‏

{‏وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى‏}‏ وذكر تعالى لذلك عدة أسباب‏:‏

منها‏:‏ أن ‏{‏مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا‏}‏ أي‏:‏ علماء متزهدين، وعُبَّادًا في الصوامع متعبدين‏.‏ والعلم مع الزهد وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه، ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة، فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود، وشدة المشركين‏.‏

ومنها‏:‏ ‏{‏أنهم لَا يَسْتَكْبِرُونَ‏}‏ أي‏:‏ ليس فيهم تكبر ولا عتو عن الانقياد للحق، وذلك موجب لقربهم من المسلمين ومن محبتهم، فإن المتواضع أقرب إلى الخير من المستكبر‏.‏

ومنها‏:‏ أنهم ‏{‏إذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ‏}‏ محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أثر ذلك في قلوبهم وخشعوا له، وفاضت أعينهم بسبب ما سمعوا من الحق الذي تيقنوه، فلذلك آمنوا وأقروا به فقالوا‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ‏}‏ وهم أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشهدون لله بالتوحيد، ولرسله بالرسالة وصحة ما جاءوا به، ويشهدون على الأمم السابقة بالتصديق والتكذيب‏.‏

وهم عدول، شهادتهم مقبولة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا‏}

فكأنهم ليموا على إيمانهم ومسارعتهم فيه، فقالوا‏:‏ ‏{‏وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ‏}‏ أي‏:‏ وما الذي يمنعنا من الإيمان بالله، والحال أنه قد جاءنا الحق من ربنا، الذي لا يقبل الشك والريب، ونحن إذا آمنا واتبعنا الحق طمعنا أن يدخلنا الله الجنة مع القوم الصالحين، فأي مانع يمنعنا‏؟‏ أليس ذلك موجبا للمسارعة والانقياد للإيمان وعدم التخلف عنه‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا‏}‏ أي‏:‏ بما تفوهوا به من الإيمان ونطقوا به من التصديق بالحق ‏{‏جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ وهذه الآيات نزلت في النصارى الذين آمنوا بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كالنجاشي وغيره ممن آمن منهم‏.‏ وكذلك لا يزال يوجد فيهم من يختار دين الإسلام، ويتبين له بطلان ما كانوا عليه، وهم أقرب من اليهود والمشركين إلى دين الإسلام‏.‏

ولما ذكر ثواب المحسنين، ذكر عقاب المسيئين قال‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ‏}‏ لأنهم كفروا بالله، وكذبوا بآياته المبينة للحق‏.‏

‏[‏87 ـ 88‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ‏}

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ‏}‏ من المطاعم والمشارب، فإنها نعم أنعم الله بها عليكم، فاحمدوه إذ أحلها لكم، واشكروه ولا تردوا نعمته بكفرها أو عدم قبولها، أو اعتقاد تحريمها، فتجمعون بذلك بين القول على الله الكذب، وكفر النعمة، واعتقاد الحلال الطيب حرامًا خبيثًا، فإن هذا من الاعتداء‏.‏

والله قد نهى عن الاعتداء فقال‏:‏ ‏{‏وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ‏}‏ بل يبغضهم ويمقتهم ويعاقبهم على ذلك‏.‏

ثم أمر بضد ما عليه المشركون، الذين يحرمون ما أحل الله فقال‏:‏ ‏{‏وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا‏}‏ أي‏:‏ كلوا من رزقه الذي ساقه إليكم، بما يسره من الأسباب، إذا كان حلَالًا لا سرقة ولا غصبا ولا غير ذلك من أنواع الأموال التي تؤخذ بغير حق، وكان أيضًا طيبا، وهو الذي لا خبث فيه، فخرج بذلك الخبيث من السباع والخبائث‏.‏

‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ‏}‏ في امتثال أوامره، واجتناب نواهيه‏.‏ ‏{‏الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ‏}‏ فإن إيمانكم بالله يوجب عليكم تقواه ومراعاة حقه، فإنه لا يتم إلا بذلك‏.‏

ودلت الآية الكريمة على أنه إذا حرم حلالا عليه من طعام وشراب، وسرية وأمة، ونحو ذلك، فإنه لا يكون حراما بتحريمه، لكن لو فعله فعليه كفارة يمين، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ‏}‏ الآية‏.‏

إلا أن تحريم الزوجة فيه كفارة ظهار، ويدخل في هذه الآية أنه لا ينبغي للإنسان أن يتجنب الطيبات ويحرمها على نفسه، بل يتناولها مستعينا بها على طاعة ربه‏.‏

‏[‏89‏]‏ ‏{‏لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ‏}

أي‏:‏ في أيمانكم التي صدرت على وجه اللغو، وهي الأيمان التي حلف بها المقسم من غير نية ولا قصد، أو عقدها يظن صدق نفسه، فبان بخلاف ذلك‏.‏ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ‏}‏ أي‏:‏ بما عزمتم عليه، وعقدت عليه قلوبكم‏.‏ كما قال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏ ‏{‏فَكَفَّارَتُهُ‏}‏ أي‏:‏ كفارة اليمين الذي عقدتموها بقصدكم ‏{‏إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ‏}

وذلك الإطعام ‏{‏مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ‏}‏ أي‏:‏ كسوة عشرة مساكين، والكسوة هي التي تجزئ في الصلاة‏.‏ ‏{‏أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏}‏ أي‏:‏ عتق رقبة مؤمنة كما قيدت في غير هذا الموضع، فمتى فعل واحدا من هذه الثلاثة فقد انحلت يمينه‏.‏

{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ‏}‏ واحدا من هذه الثلاثة ‏{‏فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ‏}‏ المذكور ‏{‏كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ‏}‏ تكفرها وتمحوها وتمنع من الإثم‏.‏

‏{‏وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ‏}‏ عن الحلف بالله كاذبا، وعن كثرة الأيمان، واحفظوها إذا حلفتم عن الحنث فيها، إلا إذا كان الحنث خيرا، فتمام الحفظ‏:‏ أن يفعل الخير، ولا يكون يمينه عرضة لذلك الخير‏.‏

{‏كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ‏}‏ المبينة للحلال من الحرام، الموضحة للأحكام‏.‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏ اللهَ حيث علمكم ما لم تكونوا تعلمون‏.‏ فعلى العباد شكر الله تعالى على ما منَّ به عليهم، من معرفة الأحكام الشرعية وتبيينها‏.‏

‏[‏90، 91‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ‏}

يذم تعالى هذه الأشياء القبيحة، ويخبر أنها من عمل الشيطان، وأنها رجس‏.‏ ‏{‏فَاجْتَنِبُوهُ‏}‏ أي‏:‏ اتركوه ‏{‏لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏ فإن الفلاح لا يتم إلا بترك ما حرم الله، خصوصًا هذه الفواحش المذكورة، وهي الخمر وهي‏:‏ كل ما خامر العقل أي‏:‏ غطاه بسكره، والميسر، وهو‏:‏ جميع المغالبات التي فيها عوض من الجانبين، كالمراهنة ونحوها، والأنصاب التي هي‏:‏ الأصنام والأنداد ونحوها، مما يُنصب ويُعبد من دون الله، والأزلام التي يستقسمون بها، فهذه الأربعة نهى الله عنها وزجر، وأخبر عن مفاسدها الداعية إلى تركها واجتنابها‏.‏ فمنها‏:‏ أنها رجس، أي‏:‏ خبث، نجس معنى، وإن لم تكن نجسة حسًا‏.‏

والأمور الخبيثة مما ينبغي اجتنابها وعدم التدنس بأوضارها‏.‏ ومنها‏:‏ أنها من عمل الشيطان، الذي هو أعدى الأعداء للإنسان‏.‏

ومن المعلوم أن العدو يحذر منه، وتحذر مصايده وأعماله، خصوصًا الأعمال التي يعملها ليوقع فيها عدوه، فإنها فيها هلاكه، فالحزم كل الحزم البعد عن عمل العدو المبين، والحذر منه ـا، والخوف من الوقوع فيها‏.‏

ومنها‏:‏ أنه لا يمكن الفلاح للعبد إلا باجتنابها، فإن الفلاح هو‏:‏ الفوز بالمطلوب المحبوب، والنجاة من المرهوب، وهذه الأمور مانعة من الفلاح ومعوقة له‏.‏

ومنها‏:‏ أن هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس، والشيطان حريص على بثها، خصوصًا الخمر والميسر، ليوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء‏.‏

فإن في الخمر من انغلاب العقل وذهاب حجاه، ما يدعو إلى البغضاء بينه وبين إخوانه المؤمنين، خصوصًا إذا اقترن بذلك من السباب ما هو من لوازم شارب الخمر، فإنه ربما أوصل إلى القتل‏.‏ وما في الميسر من غلبة أحدهما للآخر، وأخذ ماله الكثير في غير مقابلة، ما هو من أكبر الأسباب للعداوة والبغضاء‏.‏

ومنها‏:‏ أن هذه الأشياء تصد القلب، ويتبعه البدن عن ذكر الله وعن الصلاة، اللذين خلق لهما العبد، وبهما سعادته، فالخمر والميسر، يصدانه عن ذلك أعظم صد، ويشتغل قلبه، ويذهل لبه في الاشتغال بهما، حتى يمضي عليه مدة طويلة وهو لا يدري أين هو‏.‏

فأي معصية أعظم وأقبح من معصية تدنس صاحبها، وتجعله من أهل الخبث، وتوقعه في أعمال الشيطان وشباكه، فينقاد له كما تنقاد البهيمة الذليلة لراعيها، وتحول بين العبد وبين فلاحه، وتوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنين، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة‏؟‏ ‏"‏فهل فوق هذه المفاسد شيء أكبر منها‏؟‏‏"‏

ولهذا عرض تعالى على العقول السليمة النهي عنها، عرضا بقوله‏:‏ ‏{‏فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ‏}‏ لأن العاقل ـ إذا نظر إلى بعض تلك المفاسد ـ انزجر عنها وكفت نفسه، ولم يحتج إلى وعظ كثير ولا زجر بليغ‏.‏

‏[‏92‏]‏ ‏{‏وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ‏}

طاعة الله وطاعة رسوله واحدة، فمن أطاع الله، فقد أطاع الرسول، ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله‏.‏ وذلك شامل للقيام بما أمر الله به ورسوله من الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة، الواجبة والمستحبة، المتعلقة بحقوق الله وحقوق خلقه والانتهاء عما نهى الله ورسوله عنه كذلك‏.‏

وهذا الأمر أعم الأوامر، فإنه كما ترى يدخل فيه كل أمر ونهي، ظاهر وباطن، وقوله‏:‏ ‏{‏وَاحْذَرُوا‏}‏ أي‏:‏ من معصية الله ومعصية رسوله، فإن في ذلك الشر والخسران المبين‏.‏ ‏{‏فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ‏}‏ عما أمرتم به ونهيتم عنه‏.‏ ‏{‏فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ‏}‏ وقد أدى ذلك‏.‏ فإن اهتديتم فلأنفسكم، وإن أسأتم فعليها، والله هو الذي يحاسبكم، والرسول قد أدى ما عليه وما حمل به‏.‏

‏[‏93‏]‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‏}

لما نزل تحريم الخمر والنهي الأكيد والتشديد فيه، تمنى أناس من المؤمنين أن يعلموا حال إخوانهم الذين ماتوا على الإسلام قبل تحريم الخمر وهم يشربونها‏.‏

فأنزل الله هذه الآية، وأخبر تعالى أنه ‏{‏لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ‏}‏ أي‏:‏ حرج وإثم ‏{‏فِيمَا طَعِمُوا‏}‏ من الخمر والميسر قبل تحريمهما‏.‏

ولما كان نفي الجناح يشمل المذكورات وغيرها، قيد ذلك بقوله‏:‏ ‏{‏إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏ أي‏:‏ بشرط أنهم تاركون للمعاصي، مؤمنون بالله إيمانا صحيحا، موجبا لهم عمل الصالحات، ثم استمروا على ذلك‏.‏ وإلا فقد يتصف العبد بذلك في وقت دون آخر‏.‏ فلا يكفي حتى يكون كذلك حتى يأتيه أجله، ويدوم على إحسانه، فإن الله يحب المحسنين في عبادة الخالق، المحسنين في نفع العبيد، ويدخل في هذه الآية الكريمة، من طعم المحرم، أو فعل غيره بعد التحريم، ثم اعترف بذنبه وتاب إلى الله، واتقى وآمن وعمل صالحا، فإن الله يغفر له، ويرتفع عنه الإثم في ذلك‏.‏

‏[‏94 ـ 96‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ‏}

هذا من منن الله على عباده، أن أخبرهم بما سيفعل قضاء وقدرا، ليطيعوه ويقدموا على بصيرة، ويهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ لابد أن يختبر الله إيمانكم‏.‏

{‏لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ‏}‏ أي‏:‏ بشيء غير كثير، فتكون محنة يسيرة، تخفيفا منه تعالى ولطفا، وذلك الصيد الذي يبتليكم الله به ‏{‏تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ‏}‏ أي‏:‏ تتمكنون من صيده، ليتم بذلك الابتلاء، لا غير مقدور عليه بيد ولا رمح، فلا يبقى للابتلاء فائدة‏.‏

ثم ذكر الحكمة في ذلك الابتلاء، فقال‏:‏ ‏{‏لِيَعْلَمَ اللَّهُ‏}‏ علما ظاهرا للخلق يترتب عليه الثواب والعقاب ‏{‏مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ‏}‏ فيكف عما نهى الله عنه مع قدرته عليه وتمكنه، فيثيبه الثواب الجزيل، ممن لا يخافه بالغيب، فلا يرتدع عن معصية تعرض له فيصطاد ما تمكن منه ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى‏}‏ منكم ‏{‏بَعْدِ ذَلِكَ‏}‏ البيان، الذي قطع الحجج، وأوضح السبيل‏.‏ ‏{‏فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ أي‏:‏ مؤلم موجع، لا يقدر على وصفه إلا الله، لأنه لا عذر لذلك المعتدي، والاعتبار بمن يخافه بالغيب، وعدم حضور الناس عنده‏.‏ وأما إظهار مخافة الله عند الناس، فقد يكون ذلك لأجل مخافة الناس، فلا يثاب على ذلك‏.‏

ثم صرح بالنهي عن قتل الصيد في حال الإحرام، فقال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ‏}‏ أي‏:‏ محرمون في الحج والعمرة، والنهي عن قتله يشمل النهي عن مقدمات القتل، وعن المشاركة في القتل، والدلالة عليه، والإعانة على قتله، حتى إن من تمام ذلك أنه ينهى المحرم عن أكل ما قُتل أو صيد لأجله، وهذا كله تعظيم لهذا النسك العظيم، أنه يحرم على المحرم قتل وصيد ما كان حلالا له قبل الإحرام‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا‏}‏ أي‏:‏ قتل صيدا عمدا ‏{‏فـ‏}‏ عليه ‏{‏جزاء مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ‏}‏ أي‏:‏ الإبل، أو البقر، أو الغنم، فينظر ما يشبه شيئًا من ذلك، فيجب عليه مثله، يذبحه ويتصدق به‏.‏ والاعتبار بالمماثلة أن ‏{‏يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ أي‏:‏ عدلان يعرفان الحكم، ووجه الشبه، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم، حيث قضوا بالحمامة شاة، وفي النعامة بدنة، وفي بقر الوحش ـ على اختلاف أنواعه ـ بقرة، وهكذا كل ما يشبه شيئًا من النعم، ففيه مثله، فإن لم يشبه شيئًا ففيه قيمته، كما هو القاعدة في المتلفات، وذلك الهدي لا بد أن يكون ‏{‏هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ‏}‏ أي‏:‏ يذبح في الحرم‏.‏

{‏أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ‏}‏ أي‏:‏ كفارة ذلك الجزاء طعام مساكين، أي‏:‏ يجعل مقابلة المثل من النعم، طعام يطعم المساكين‏.‏

قال كثير من العلماء‏:‏ يقوم الجزاء، فيشترى بقيمته طعام، فيطعم كل مسكين مُدَّ بُرٍّ أو نصفَ صاع من غيره‏.‏ ‏{‏أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ‏}‏ الطعام ‏{‏صِيَامًا‏}‏ أي‏:‏ يصوم عن إطعام كل مسكين يوما‏.‏ ‏{‏لِيَذُوقَ‏}‏ بإيجاب الجزاء المذكور عليه ‏{‏وَبَالَ أَمْرِهِ‏}‏ ‏{‏وَمَنْ عَادَ‏}‏ بعد ذلك ‏{‏فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ‏}‏ وإنما نص الله على المتعمد لقتل الصيد، مع أن الجزاء يلزم المتعمد والمخطئ، كما هو القاعدة الشرعية ـ أن المتلف للنفوس والأموال المحترمة، فإنه يضمنها على أي حال كان، إذا كان إتلافه بغير حق، لأن الله رتب عليه الجزاء والعقوبة والانتقام، وهذا للمتعمد‏.‏ وأما المخطئ فليس عليه عقوبة، إنما عليه الجزاء، ‏[‏هذا جواب الجمهور من هذا القيد الذي ذكره الله‏.‏ وطائفة من أهل العلم يرون تخصيص الجزاء بالمتعمد وهو ظاهر الآية‏.‏ والفرق بين هذا وبين التضمين في الخطأ في النفوس والأموال في هذا الموضع الحق فيه لله، فكما لا إثم لا جزاء لإتلافه نفوس الآدميين وأموالهم‏]‏‏.‏

ولما كان الصيد يشمل الصيد البري والبحري، استثنى تعالى الصيد البحري فقال‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ‏}‏ أي‏:‏ أحل لكم ـ في حال إحرامكم ـ صيد البحر، وهو الحي من حيواناته، وطعامه، وهو الميت منها، فدل ذلك على حل ميتة البحر‏.‏ ‏{‏مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ‏}‏ أي‏:‏ الفائدة في إباحته لكم أنه لأجل انتفاعكم وانتفاع رفقتكم الذين يسيرون معكم‏.‏ ‏{‏وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا‏}‏ ويؤخذ من لفظ ‏"‏الصيد‏"‏ أنه لا بد أن يكون وحشيًا، لأن الإنسي ليس بصيد‏.‏ ومأكولا، فإن غير المأكول لا يصاد ولا يطلق عليه اسم الصيد‏.‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ‏}‏ أي‏:‏ اتقوه بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، واستعينوا على تقواه بعلمكم أنكم إليه تحشرون‏.‏ فيجازيكم، هل قمتم بتقواه فيثيبكم الثواب الجزيل، أم لم تقوموا بها فيعاقبكم‏؟‏‏.‏

‏[‏79 ـ 99‏]‏ ‏{‏جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ‏}‏‏.‏

يخبر تعالى أنه جعل ‏{‏الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ‏}‏ يقوم بالقيام بتعظيمه دينُهم ودنياهم، فبذلك يتم إسلامهم، وبه تحط أوزارهم، وتحصل لهم ـ بقصده ـ العطايا الجزيلة، والإحسان الكثير، وبسببه تنفق الأموال، وتتقحم ـ من أجله ـ الأهوال‏.‏

ويجتمع فيه من كل فج عميق جميع أجناس المسلمين، فيتعارفون ويستعين بعضهم ببعض، ويتشاورون على المصالح العامة، وتنعقد بينهم الروابط في مصالحهم الدينية والدنيوية‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ‏}‏ ومن أجل كون البيت قياما للناس قال من قال من العلماء‏:‏ إن حج بيت الله فرض كفاية في كل سنة‏.‏ فلو ترك الناس حجه لأثم كل قادر، بل لو ترك الناس حجه لزال ما به قوامهم، وقامت القيامة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ‏}‏ أي‏:‏ وكذلك جعل الهدي والقلائد ـ التي هي أشرف أنواع الهدي ـ قياما للناس، ينتفعون بهما ويثابون عليهما‏.‏ ‏{‏ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏ فمن علمه أن جعل لكم هذا البيت الحرام، لما يعلمه من مصالحكم الدينية والدنيوية‏.‏

{‏اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ أي‏:‏ ليكن هذان العلمان موجودين في قلوبكم على وجه الجزم واليقين، تعلمون أنه شديد العقاب العاجل والآجل على من عصاه، وأنه غفور رحيم لمن تاب إليه وأطاعه‏.‏فيثمر لكم هذا العلمُ الخوفَ من عقابه، والرجاءَ لمغفرته وثوابه، وتعملون على ما يقتضيه الخوف والرجاء‏.‏

ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ‏}‏ وقد بلَّغ كما أُمِر، وقام بوظيفته، وما س ـوى ذلك فلي ـس ل ـه م ـن الأم ـر ش ـيء‏.‏ ‏{‏وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ‏}‏ فيجازيكم بما يعلمه تعالى منكم‏.‏

‏[‏100‏]‏ ‏{‏قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}

أي‏:‏ ‏{‏قُلْ‏}‏ للناس محذرا عن الشر ومرغبا في الخير‏:‏ ‏{‏لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ‏}‏ من كل شيء، فلا يستوي الإيمان والكفر، ولا الطاعة والمعصية، ولا أهل الجنة وأهل النار، ولا الأعمال الخبيثة والأعمال الطيبة، ولا المال الحرام بالمال الحلال‏.‏

{‏وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ‏}‏ فإنه لا ينفع صاحبه شيئًا، بل يضره في دينه ودنياه‏.‏

{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏ فأمر أُولي الألباب، أي‏:‏ أهل العقول الوافية، والآراء الكاملة، فإن الله تعالى يوجه إليهم الخطاب‏.‏ وهم الذين يؤبه لهم، ويرجى أن يكون فيهم خير‏.‏

ثم أخبر أن الفلاح متوقف على التقوى التي هي موافقة الله في أمره ونهيه، فمن اتقاه أفلح كل الفلاح، ومن ترك تقواه حصل له الخسران وفاتته الأرباح‏.‏

‏[‏101 ـ 102‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ‏}

ينهى عباده المؤمنين عن سؤال الأشياء التي إذا بينت لهم ساءتهم وأحزنتهم، وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن آبائهم، وعن حالهم في الجنة أو النار، فهذا ربما أنه لو بين للسائل لم يكن له فيه خير، وكسؤالهم للأمور غير الواقعة‏.‏

وكالسؤال الذي يترتب عليه تشديدات في الشرع ربما أحرجت الأمة، وكالسؤال عما لا يعني، فهذه الأسئلة، وما أشبهها هي المنهي عنها، وأما السؤال الذي لا يترتب عليه شيء من ذلك فهذا مأمور به، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}

{‏وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ وإذا وافق سؤالكم محله فسألتم عنها حين ينزل عليكم القرآن، فتسألون عن آية أشكلت، أو حكم خفي وجهه عليكم، في وقت يمكن فيه نزول الوحي من السماء، تبد لكم، أي‏:‏ تبين لكم وتظهر، وإلا فاسكتوا عمّا سكت الله عنه‏.‏

{‏عَفَا اللَّهُ عَنْهَا‏}‏ أي‏:‏ سكت معافيا لعباده منها، فكل ما سكت الله عنه فهو مما أباحه وعفا عنه‏.‏ ‏{‏وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ‏}‏ أي‏:‏ لم يزل بالمغفرة موصوفا، وبالحلم والإحسان معروفا، فتعرضوا لمغفرته وإحسانه، واطلبوه من رحمته ورضوانه‏.‏

وهذه المسائل التي نهيتم عنها ‏{‏قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ‏}‏ أي‏:‏ جنسها وشبهها، سؤال تعنت لا استرشاد‏.‏ فلما بينت لهم وجاءتهم ‏{‏أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ‏}‏ كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم‏)‏‏.‏

‏[‏103 ـ 104‏]‏ ‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شيئًا وَلَا يَهْتَدُونَ‏}

هذا ذم للمشركين الذين شرعوا في الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما أحله الله، فجعلوا بآرائهم الفاسدة شيئًا من مواشيهم محرما، على حسب اصطلاحاتهم التي عارضت ما أنزل الله فقال‏:‏ ‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ‏}‏ وهي‏:‏ ناقة يشقون أذنها، ثم يحرمون ركوبها ويرونها محترمة‏.‏

‏{‏وَلَا سَائِبَةٍ‏}‏ وهي‏:‏ ناقة، أو بقرة، أو شاة، إذا بلغت شيئًا اصطلحوا عليه، سيبوها فلا تركب ولا يحمل عليها ولا تؤكل، وبعضهم ينذر شيئًا من ماله يجعله سائبة‏.‏

‏{‏وَلَا حَامٍ‏}‏ أي‏:‏ جمل يحمى ظهره عن الركوب والحمل، إذا وصل إلى حالة معروفة بينهم‏.‏

فكل هذه مما جعلها المشركون محرمة بغير دليل ولا برهان‏.‏ وإنما ذلك افتراء على الله، وصادرة من جهلهم وعدم عقلهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ‏}‏ فلا نقل فيها ولا عقل، ومع هذا فقد أعجبوا بآرائهم التي بنيت على الجهالة والظلم‏.‏

فإذا دعوا ‏{‏إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ‏}‏ أعرضوا فلم يقبلوا، و ‏{‏قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا‏}‏ من الدين، ولو كان غير سديد، ولا دينًا ينجي من عذاب الله‏.‏

ولو كان في آبائهم كفاية ومعرفة ودراية لهان الأمر‏.‏ ولكن آباءهم لا يعقلون شيئًا، أي‏:‏ ليس عندهم من المعقول شيء، ولا من العلم والهدى شيء‏.‏ فتبا لمن قلد من لا علم عنده صحيح، ولا عقل رجيح، وترك اتباع ما أنزل الله، واتباع رسله الذي يملأ القلوب علما وإيمانا‏,‏ وهدى‏,‏ وإيقانا‏.‏

‏[‏105‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ اجتهدوا في إصلاحها وكمالها وإلزامها سلوك الصراط المستقيم، فإنكم إذا صلحتم لا يضركم من ضل عن الصراط المستقيم، ولم يهتد إلى الدين القويم، وإنما يضر نفسه‏.‏

ولا يدل هذا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يضر العبدَ تركُهما وإهمالُهما، فإنه لا يتم هداه‏,‏ إلا بالإتيان بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏

نعم، إذا كان عاجزًا عن إنكار المنكر بيده ولسانه وأنكره بقلبه، فإنه لا يضره ضلال غيره‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا‏}‏ أي‏:‏ مآلكم يوم القيامة، واجتماعكم بين يدي الله تعالى‏.‏ ‏{‏فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ من خير وشر‏.‏

‏[‏106 ـ 108‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ‏}

يخبر تعالى خبرا متضمنا للأمر بإشهاد اثنين على الوصية، إذا حضر الإنسان مقدماتُ الموت وعلائمه‏.‏ فينبغي له أن يكتب وصيته، ويشهد عليها اثنين ذوي عدل ممن تعتبر شهادتهما‏.‏

{‏أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ‏}‏ أي‏:‏ من غير أهل دينكم، من اليهود أو النصارى أو غيرهم، وذلك عند الحاجة والضرورة وعدم غيرهما من المسلمين‏.‏

{‏إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ‏}‏ أي‏:‏ سافرتم فيها ‏{‏فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ‏}‏ أي‏:‏ فأشهدوهما، ولم يأمر بشهادتهما إلا لأن قولهما في تلك الحال مقبول، ويؤكد عليهما، بأن يحبسا ‏{‏مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ‏}‏ التي يعظمونها‏.‏

‏{‏فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ‏}‏ أنهما صدقا، وما غيرا ولا بدلا، هذا ‏{‏إِنِ ارْتَبْتُمْ‏}‏ في شهادتهما، فإن صدقتموهما، فلا حاجة إلى القسم بذلك‏.‏

ويقولان‏:‏ ‏{‏لَا نَشْتَرِي بِهِ‏}‏ أي‏:‏ بأيماننا ‏{‏ثَمَنًا‏}‏ بأن نكذب فيها، لأجل عرض من الدنيا‏.‏ ‏{‏وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى‏}‏ فلا نراعيه لأجل قربه منا ‏{‏وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ‏}‏ بل نؤديها على ما سمعناها ‏{‏إِنَّا إِذًا‏}‏ أي‏:‏ إن كتمناها ‏{‏لَمِنَ الْآثِمِينَ‏}‏

{‏فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا‏}‏ أي‏:‏ الشاهدين ‏{‏اسْتَحَقَّا إِثْمًا‏}‏ بأن وجد من القرائن ما يدل على كذبهما وأنهما خانا ‏{‏فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان‏}

أي‏:‏ فليقم رجلان من أولياء الميت، وليكونا من أقرب الأولياء إليه‏.‏ ‏{‏فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا‏}‏ أي‏:‏ أنهما كذبا، وغيرا وخانا‏.‏ ‏{‏وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ إن ظلمنا واعتدينا، وشهدنا بغير الحق‏.‏

قال الله تعالى في بيان حكمة تلك الشهادة وتأكيدها، وردها على أولياء الميت حين تظهر من الشاهدين الخيانة‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى‏}‏ أي‏:‏ أقرب ‏{‏أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا‏}‏ حين تؤكد عليهما تلك التأكيدات‏.‏ ‏{‏أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ أن لا تقبل أيمانهم، ثم ترد على أولياء الميت‏.‏

{‏وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ‏}‏ أي‏:‏ الذين وصْفُهم الفسق، فلا يريدون الهدى والقصد إلى الصراط المستقيم‏.‏

وحاصل هذا، أن الميت ـ إذا حضره الموت في سفر ونحوه، مما هو مظنة قلة الشهود المعتبرين ـ أنه ينبغي أن يوصي شاهدين مسلمين عدلين‏.‏

فإن لم يجد إلا شاهدين كافرين، جاز أن يوصي إليهما، ولكن لأجل كفرهما فإن الأولياء إذا ارتابوا بهما فإنهم يحلفونهما بعد الصلاة، أنهما ما خانا، ولا كذبا، ولا غيرا، ولا بدلا، فيبرآن بذلك من حق يتوجه إليهما‏.‏

فإن لم يصدقوهما ووجدوا قرينة تدل على كذب الشاهدين، فإن شاء أولياء الميت، فليقم منهم اثنان، فيقسمان بالله‏:‏ لشهادتهما أحق من شهادة الشاهدين الأولين، وأنهما خانا وكذبا، فيستحقون منهما ما يدعون‏.‏

وهذه الآيات الكريمة نزلت في قصة ‏"‏تميم الداري‏"‏ و ‏"‏عدي بن بداء‏"‏ المشهورة حين أوصى لهما العدوي، والله أعلم‏.‏

ويستدل بالآيات الكريمات على عدة أحكام‏:‏

منها‏:‏ أن الوصية مشروعة، وأنه ينبغي لمن حضره الموت أن يوصي‏.‏

ومنها‏:‏ أنها معتبرة، ولو كان الإنسان وصل إلى مقدمات الموت وعلاماته، ما دام عقله ثابتًا‏.‏

ومنها‏:‏ أن شهادة الوصية لابد فيها من اثنين عدلين‏.‏

ومنها‏:‏ أن شهادة الكافرين في هذه الوصية ونحوها مقبولة لوجود الضرورة، وهذا مذهب الإمام أحمد‏.‏ وزعم كثير من أهل العلم‏:‏ أن هذا الحكم منسوخ، وهذه دعوى لا دليل عليها‏.‏

ومنها‏:‏ أنه ربما استفيد من تلميح الحكم ومعناه، أن شهادة الكفار ـ عند عدم غيرهم، حتى في غير هذه المسألة ـ مقبولة، كما ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية‏.‏

ومنها‏:‏ جواز سفر المسلم مع الكافر إذا لم يكن محذور‏.‏

ومنها‏:‏ جواز السفر للتجارة‏.‏

ومنها‏:‏ أن الشاهدين ـ إذا ارتيب منهما، ولم تبد قرينة تدل على خيانتهما، وأراد الأولياء ـ أن يؤكدوا عليهم اليمين، ويحبسوهما من بعد الصلاة، فيقسمان بصفة ما ذكر الله تعالى‏.‏

ومنها‏:‏ أنه إذا لم تحصل تهمة ولا ريب لم يكن حاجة إلى حبسهما، وتأكيد اليمين عليهما‏.‏

ومنها‏:‏ تعظيم أمر الشهادة حيث أضافها تعالى إلى نفسه، وأنه يجب الاعتناء بها والقيام بها بالقسط‏.‏

ومنها‏:‏ أنه يجوز امتحان الشاهدين عند الريبة منهما، وتفريقهما لينظر عن شهادتهما‏.‏

ومنها‏:‏ أنه إذا وجدت القرائن الدالة على كذب الوصيين في هذه المسألة ـ قام اثنان من أولياء الميت فأقسما بالله‏:‏ أن أيماننا أصدق من أيمانهما، ولقد خانا وكذبا‏.‏

ثم يدفع إليهما ما ادعياه، فتكون القرينة ـ مع أيمانهما ـ قائمة مقام البينة‏.‏

‏[‏109، 110‏]‏ ‏{‏يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ‏}

يخبر تعالى عن يوم القيامة وما فيه من الأهوال العظام، وأن الله يجمع به جميع الرسل فيسألهم‏:‏ ‏{‏مَاذَا أُجِبْتُمْ‏}‏ أي‏:‏ ماذا أجابتكم به أممكم‏.‏

فـ ‏{‏قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا‏}‏ وإنما العلم لك يا ربنا، فأنت أعلم منا‏.‏ ‏{‏إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ‏}‏ أي‏:‏ تعلم الأمور الغائبة والحاضرة‏.‏

{‏إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ‏}‏ أي‏:‏ اذكرها بقلبك ولسانك، وقم بواجبها شكرًا لربك، حيث أنعم عليك نعما ما أنعم بها على غيرك‏.‏

{‏إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ‏}‏ أي‏:‏ إذ قويتك بالروح والوحي، الذي طهرك وزكاك، وصار لك قوة على القيام بأمر الله والدعوة إلى سبيله‏.‏ وقيل‏:‏ إن المراد ‏"‏بروح القدس‏"‏ جبريل عليه السلام، وأن الله أعانه به وبملازمته له، وتثبيته في المواطن المشقة‏.‏

{‏تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا‏}‏ المراد بالتكليم هنا، غير التكليم المعهود الذي هو مجرد الكلام، وإنما المراد بذلك التكليم الذي ينتفع به المتكلم والمخاطب، وهو الدعوة إلى الله‏.‏

ولعيسى عليه السلام من ذلك، ما لإخوانه من أولي العزم من المرسلين، من التكليم في حال الكهولة، بالرسالة والدعوة إلى الخير، والنهي عن الشر، وامتاز عنهم بأنه كلم الناس في المهد، فقال‏:‏ ‏{‏إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا‏}‏ الآية‏.‏

{‏وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ‏}‏ فالكتاب يشمل الكتب السابقة، و خصوصًا التوراة، فإنه من أعلم أنبياء بني إسرائيل ـ بعد موسى ـ بها‏.‏ ويشمل الإنجيل الذي أنزله الله عليه‏.‏

والحكمة هي‏:‏ معرفة أسرار الشرع وفوائده وحكمه، وحسن الدعوة والتعليم، ومراعاة ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي‏.‏

{‏وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ‏}‏ أي‏:‏ طيرا مصورا لا روح فيه‏.‏ فتنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وتبرئ الأكمه الذي لا بصر له ولا عين‏.‏ ‏{‏وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي‏}‏ فهذه آيات بيِّنَات، ومعجزات باهرات، يعجز عنها الأطباء وغيرهم، أيد الله بها عيسى وقوى بها دعوته‏.‏ ‏{‏وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ‏}‏ لما جاءهم الحق مؤيدًا بالبينات الموجبة للإيمان به‏.‏ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ‏}‏ وهموا بعيسى أن يقتلوه، وسعوا في ذلك، فكفَّ الله أيديهم عنه، وحفظه منهم وعصمه‏.‏

فهذه مِنَنٌ امتَنَّ الله بها على عبده ورسوله عيسى ابن مريم، ودعاه إلى شكرها والقيام بها، فقام بها عليه السلام أتم القيام، وصبر كما صبر إخوانه من أولي العزم‏.‏

‏[‏111 ـ 120‏]‏ ‏{‏وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا‏}

إلى آخر الآيات أي‏:‏ واذكر نعمتي عليك إذ يسرت لك أتباعا وأعوانا‏.‏ فأوحيت إلى الحواريين أي‏:‏ ألهمتهم، وأوزعت قلوبهم الإيمان بي وبرسولي، أو أوحيت إليهم على لسانك، أي‏:‏ أمرتهم بالوحي الذي جاءك من عند الله، فأجابوا لذلك وانقادوا، وقالوا‏:‏ آمنا بالله، واشهد بأننا مسلمون، فجمعوا بين الإسلام الظاهر، والانقياد بالأعمال الصالحة، والإيمان الباطن المخرج لصاحبه من النفاق ومن ضعف الإيمان‏.‏

والحواريون هم‏:‏ الأنصار، كما قال تعالى كما قال عيسى ابن مريم للحواريين‏:‏ ‏{‏مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ‏}

{‏إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ‏}‏ أي‏:‏ مائدة فيها طعام، وهذا ليس منهم عن شك في قدرة الله، واستطاعته على ذلك‏.‏ وإنما ذلك من باب العرض والأدب منهم‏.‏

ولما كان سؤال آيات الاقتراح منافيا للانقياد للحق، وكان هذا الكلام الصادر من الحواريين ربما أوهم ذلك، وعظهم عيسى عليه السلام فقال‏:‏ ‏{‏اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏}‏ فإن المؤمن يحمله ما معه من الإيمان على ملازمة التقوى، وأن ينقاد لأمر الله، ولا يطلب من آيات الاقتراح التي لا يدري ما يكون بعدها شيئًا‏.‏

فأخبر الحواريون أنهم ليس مقصودهم هذا المعنى، وإنما لهم مقاصد صالحة، ولأجل الحاجة إلى ذلك فـ ‏{‏قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا‏}‏ وهذا دليل على أنهم محتاجون لها، ‏{‏وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا‏}‏ بالإيمان حين نرى الآيات العيانية، فيكون الإيمان عين اليقين، كما كان قبل ذلك علم اليقين‏.‏ كما سأل الخليل عليه الصلاة والسلام ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ‏{‏قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي‏}‏ فالعبد محتاج إلى زيادة العلم واليقين والإيمان كل وقت، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا‏}‏ أي‏:‏ نعلم صدق ما جئت به، أنه حق وصدق، ‏{‏وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ‏}‏ فتكون مصلحة لمن بعدنا، نشهدها لك، فتقوم الحجة، ويحصل زيادة البرهان بذلك‏.‏

فلما سمع عيسى عليه الصلاة والسلام ذلك، وعلم مقصودهم، أجابهم إلى طلبهم في ذلك، فقال‏:‏ ‏{‏اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ‏}‏ أي‏:‏ يكون وقت نزولها عيدا وموسما، يتذكر به هذه الآية العظيمة، فتحفظ ولا تنسى على مرور الأوقات وتكرر السنين‏.‏

كما جعل الله تعالى أعياد المسلمين ومناسكهم مذكرا لآياته، ومنبها على سنن المرسلين وطرقهم القويمة، وفضله وإحسانه عليهم‏.‏ ‏{‏وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ‏}‏ أي‏:‏ اجعلها لنا رزقا، فسأل عيسى عليه السلام نزولها وأن تكون لهاتين المصلحتين، مصلحة الدين بأن تكون آية باقية، ومصلحة الدنيا، وهي أن تكون رزقًا‏.‏

{‏قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ‏}‏ لأنه شاهد الآية الباهرة وكفر عنادا وظلما، فاستحق العذاب الأليم والعقاب الشديد‏.‏ واعلم أن الله تعالى وعد أنه سينزلها، وتوعدهم ـ إن كفروا ـ بهذا الوعيد، ولم يذكر أنه أنزلها، فيحتمل أنه لم ينزلها بسبب أنهم لم يختاروا ذلك، ويدل على ذلك، أنه لم يذكر في الإنجيل الذي بأيدي النصارى، ولا له وجود‏.‏ ويحتمل أنها نزلت كما وعد الله، والله لا يخلف الميعاد، ويكون عدم ذكرها في الأناجيل التي بأيديهم من الحظ الذي ذكروا به فنسوه‏.‏

أو أنه لم يذكر في الإنجيل أصلًا، وإنما ذلك كان متوارثا بينهم، ينقله الخلف عن السلف، فاكتفى الله بذلك عن ذكره في الإنجيل، ويدل على هذا المعنى قوله‏:‏ ‏{‏وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ‏}‏ والله أعلم بحقيقة الحال‏.‏

{‏وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏}‏ وهذا توبيخ للنصارى الذين قالوا‏:‏ إن الله ثالث ثلاثة، فيقول الله هذا الكلام لعيسى‏.‏ فيتبرأ عيسى ويقول‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَكَ‏}‏ عن هذا الكلام القبيح، وعمّا لا يليق بك‏.‏

{‏مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ‏}‏ أي‏:‏ ما ينبغي لي، ولا يليق أن أقول شيئًا ليس من أوصافي ولا من حقوقي، فإنه ليس أحد من المخلوقين، لا الملائكة المقربون ولا الأنبياء المرسلون ولا غيرهم له حق ولا استحقاق لمقام الإلهية وإنما الجميع عباد، مدبرون، وخلق مسخرون، وفقراء عاجزون ‏{‏إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ‏}‏ فأنت أعلم بما صدر مني و ‏{‏إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ‏}‏ وهذا من كمال أدب المسيح عليه الصلاة والسلام في خطابه لربه، فلم يقل عليه السلام‏:‏ ‏"‏لم أقل شيئًا من ذلك‏"‏ وإنما أخبر بكلام ينفي عن نفسه أن يقول كل مقالة تنافي منصبه الشريف، وأن هذا من الأمور المحالة، ونزه ربه عن ذلك أتم تنزيه، ورد العلم إلى عالم الغيب والشهادة‏.‏

ثم صرح بذكر ما أمر به بني إسرائيل، فقال‏:‏ ‏{‏مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ‏}‏ فأنا عبد متبع لأمرك، لا متجرئ على عظمتك، ‏{‏أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ‏}‏ أي‏:‏ ما أمرتهم إلا بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له، المتضمن للنهي عن اتخاذي وأمي إلهين من دون الله، وبيان أني عبد مربوب، فكما أنه ربكم فهو ربي‏.‏

{‏وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ‏}‏ أشهد على من قام بهذا الأمر، ممن لم يقم به‏.‏ ‏{‏فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ‏}‏ أي‏:‏ المطلع على سرائرهم وضمائرهم‏.‏ ‏{‏وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ‏}‏ علما وسمعا وبصرا، فعلمك قد أحاط بالمعلومات، وسمعك بالمسموعات، وبصرك بالمبصرات، فأنت الذي تجازي عبادك بما تعلمه فيهم من خير وشر‏.‏

{‏إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ‏}‏ وأنت أرحم بهم من أنفسهم وأعلم بأحوالهم، فلولا أنهم عباد متمردون لم تعذبهم‏.‏ ‏{‏وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ أي‏:‏ فمغفرتك صادرة عن تمام عزة وقدرة، لا كمن يغفر ويعفو عن عجز وعدم قدرة‏.‏

الحكيم حيث كان من مقتضى حكمتك أن تغفر لمن أتى بأسباب المغفرة‏.‏

‏{‏قَالَ اللَّهُ‏}‏ مبينا لحال عباده يوم القيامة، ومَن الفائز منهم ومَن الهالك، ومَن الشقي ومَن السعيد، ‏{‏هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ‏}‏ والصادقون هم الذين استقامت أعمالهم وأقوالهم ونياتهم على الصراط المستقيم والهدْي القويم، فيوم القيامة يجدون ثمرة ذلك الصدق، إذا أحلهم الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أبدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏ والكاذبون بضدهم، سيجدون ضرر كذبهم وافترائهم، وثمرة أعمالهم الفاسدة‏.‏

{‏لِلَّهِ مُلْكُ السموات وَالْأَرْضِ‏}‏ لأنه الخالق لهما والمدبر لذلك بحكمه القدري، وحكمه الشرعي، وحكمه الجزائي، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ فلا يعجزه شيء، بل جميع الأشياء منقادة لمشيئته، ومسخرة بأمره‏.‏

تم تفسير سورة المائدة بفضل من الله وإحسان، والحمد لله رب العالمين‏.‏